فصل: اضطراب الثغور ووصول أحمد بن طولون إليها ووفاته.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.انتقاض لؤلؤ على ابن طولون.

كان ابن طولون قد ولى مولاه لؤلؤا على حلب وحمص وقنسرين وديار مضر من الجزيرة وأنزله الرقة وكان يتصرف عن أمره ومتى وقع في مخالفته عاقب ابن سليمان كاتب لؤلؤ فسقط لؤلؤ في المال وقطع الحمل عن أحمد بن طولون وخاف الكاتب مغبة ذلك فحمل لؤلؤا على الخلاف وأرسل إلى الموفق بعد أن شرط على المعتمد شروطا أجابه الموفق إليها وسار إلى الرقة وبها ابن صفوان العقيلي فحاربه وملكها منه وسلمها إلى أحمد بن مالك بن طوق وسار إلى الموفق فوصل إليه بمكانه من حصار صاحب الزنج وأقبل عليه واستعان به في تلك الحروب وولاه على الموصل ثم قبض عليه سنة ثلاث وسبعين ومائتين وصادره على أربعمائة ألف دينار فافتقر وعاد إلى مصر آخر أيام هرون بن خماروي فقيرا فريدا.

.مسير المعتمد إلى ابن طولون وعوده عنه من الشام.

كان ابن طولون يداخل المعتمد في السر ويكاتبه ويشكو إليه المعتمد ما هو فيه من الحجر والتضييق عليه من أخيه الموفق والموفق بسبب ذلك ينافر ابن طولون ويسعى في إزالته عن مصر ولما وقع خلاف إلى لؤلؤ على ابن طولون خاطب المعتمد وخوفه الموفق واستدعاه إلى مصر وأن الجيوش عنده لقتال الفرنج فأجابه المعتمد إلى ذلك وأراد لقاءه بجميع عساكره فمنعه أهل الرأي من أصحابه وأشاروا عليه بالعدول عن المعتمد جملة وأن أمره يؤل معه إلى أكثر من أمر الموفق من أجل بطانته التي يؤثرها على كل أحد واتصلت الأخبار بأن الموفق شارف القبض على صاحب الزنج فبعث ابن طولون بعض عساكره إلى الرقة لانتظار المعتمد واغتنم المعتمد غيبة الموفق وسار في جمادي سنة ثمان وستين ومائتين ومعه جماعة من القواد الذين معه فقبض عليهم وقيدهم وقد كان ساعد بن مخلد وزير الموفق خاطبه في ذلك عن الموفق فأظهر طاعتهم حين صاروا إلى عمله وسار معهم إلى أول عمل أحمد بن طولون فلم يرحل معهم حين رحلوا ثم جلس معهم بين يدي المعتمد وعذلهم في المسير إلى ابن طولون ودخولهم تحت حكمه وحجره ثم قام بهم عند المعتمد ليناظرهم في خلوة فلما دخلوا خيمته قبض عليهم ثم رجع إلى المعتمد فعذله في الخروج عن دار خلافته وفراق أخيه وهو في قتال عدوه ثم رجع بالمعتمد والذين معه حتى أدخلهم سر من رأى وبلغ الخبر إلى ابن طولون فقطع خطبة الموفق ومحا اسمه من الطرز فتقدم الموفق إلى المعتمد بلعن ابن طولون في دار العامة فأمر بلعنه على المنابر وعزله عن مصر وفوض إليه من باب الشاتية إلى أفريقية وبعث إلى مكة بلعنه في المواسم فوقعت بين أصحاب ابن طولون وعامل مكة حرب ووصل عسكر الموفق مع جعفر الباعردي فانهزم فيها أصحاب ابن طولون وسلبوا وأمر جعفر المصريين وقرؤا الكتاب في المسجد بلعن ابن طولون.

.اضطراب الثغور ووصول أحمد بن طولون إليها ووفاته.

كان عامل أحمد بن طولون على الثغور طلخشى بن بلذدان واسمه خلف وكان نازلا بطرسوس وكان مازيار الخادم مولى فتح بن خاقان معه بطرسوس وارتاب به طلخشى فحبسه فوثب جماعة من أهل طرسوس واستقدموا مازيار من يده وولوه وهرب خلف وتركوا الدعاء لابن طولون فسار ابن طولون من مصر وانتهى إلى أذنة وكاتب مازيار واستماله فامتنع واعتصم بطرسوس فرجع ابن طولون إلى حمص ثم إلى دمشق فأقام بها ثم رجع وحاصره في فصل الشتاء بعد أن بعث إليه يدعوه وانساح على معسكر أحمد وخيمه وكادوا يهلكون فتأخر ابن طولون إلى أذنة وخرج أهل طرسوس فنهبوا العسكر وطال مقام أحمد بأذنة في طلب البرد ثم سار إلى المصيصة فأقام بها ومرض هناك ثم تماسك إلى أنطاكية فاشتد وجعه ونهاه الطبيب عن كثرة الغذاء فتناوله سرا فكثر عليه الاختلاف لأن أصل علته هيضة من لبن الجواميس وثقل عليه الركوب فحملوه على العجلة فبلغ الفرمار وركب من ساحل الفسطاط إلى داره وحضره طبيبه فسهل عليه الأمر وأشار بالحمية فلم يداوم عليها وكثر الإسهال وحميت كبده من سوء الفكر فساءت أفعاله وضرب بكار بن قتيبة القاضي وأقامه للناس في الميدان وخرق سواده وأوقع بابن هرثمة وأخذ ماله وحبسه وقتل سعيد بن نوفل مضروبا بالسياط ثم جمع أولياءه وغلمانه وعهد إلى ابنه أبي الجيش خمارويه وأوصاهم بانظاره وحسن النظر فسكنوا إلى ذلك لخوفهم من ابنه العباس المعتقل ثم مات سنة ست وسبعين ومائتين لست وعشرين سنة من إمارته وكان حازما سائسا وبنى جامعه بمصر وأنفق فيه مائة وعشرين ألف دينار وبنى قلعة يافا وكان يميل إلى مذهب الشافعي رضي الله تعالى عنه وخلف من المال عشرة آلاف إلى ألف دينار ومن الموالي سبعة آلاف ومن الغلمان أربعة آلاف ومن الخيل المرتبطة مائة ومن الدواب لركابه مائتين وثلاثين وكان خراج مصر لأيامه مع ما ينضاف إليها أبيه من ضياع الأمراء لحضرة السلطان أربعة آلاف إلى ألف دينار وثلاثمائة ألف دينار وعلى المارستان وأوقافه ستين ألف دينار وعلى حصن الجزيرة والجزيرة وهي المسماة لهذا العهد بقلعة الروضة ثمانين ألف دينار وخربت بعد موته وجددها الصالح نجم الدين بن أيوب ثم خربت ثانية ولم يبق منها إلا أطلال دائرة وكان يتصدق في كل شهر بألف دينار ويجري على المسجونين خمسمائة دينار في كل شهر وكانت نفقة مطابخه وعلوفته ألف دينار في كل يوم.